الشاب الذي نشأ في طاعة الله عز وجل مع قوة النوازع وتوقد الغرائز الذي منعه من ذلك هو مراقبة الله تبارك وتعالى، وهكذا أيها الأحبة.
وجاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار فيجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم الله وهو أعلم بهم؛ كيف تركتم عبادي؟، فيقولون: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون» [رواه البخاري]، فهل استحضرنا هذا المعنى، هل استحضره من يضيع صلاة الصبح ينام عنها ويضيع صلاة العصر حينما يأتي من عمله ثم بعد ذلك ينام.
رابعاً: في ذكر أنواع المراقبة.
يمكن أن تتنوع المراقبة أيها الأحبة إلى أنواع مختلفة باعتبارات متعددة، ولكن يمكن أن أقتصر على وجه من تنويعها، فأقول أيها الأحبة: المراقبة تكون قبل العمل، قبل أن تقدم على العمل ينبغي أن تسأل نفسك؛ هل لك فيه نية؟، ما ذا تريد بهذا العمل الذي تقوم به؟، حينما تريد أن تتصدق بصدقة هل هذه الصدقة تريد بها وجه الله أو أنك تجمع خسارة في الدنيا وعذاباً في الآخرة؟، إذا كان الإنسان ينفق من أجل أن يقال منفق، فيكون من أول من تسعر بهم النار يوم القيامة، هذا الإنسان الذي يريد أن يطلب العلم هل يريد أن يطلب هذا العلم من أجل أن يقال عالم، حينما يقوم الإنسان بمشروع من الأعمال الطيبة من إغاثة المنكوبين أو القيام على الفقراء والأرامل والأيتام، هذه أعمال جليلة، وتتطلب من الإنسان ألوان التضحيات، فينفق فيها وقته وجهده، ولربما لا يراه أهله إلا في قليل من الوقت، هل لك فيه نية، يسأل الإنسان حينما يريد أن يقدم على هذه الأعمال هل هو لله؟، هل للنفس فيه هوى؟، هل للشيطان فيه نزغة فيتثبت؟، فإن كان لله أمضاه، وإن كان لغيره صحح نيته وأخلص قصده وعمله، وفي هذا يقول الحسن البصري رحمه الله: "كان أحدهم إذا أراد أن يتصدق بصدقة نظر وتثبت، فإن كان لله أمضاه، ويقول: رحم الله عبداً وقف عند همه فإن كان لله مضى وإن كان لغيره تأخر".
وجاء عن محمد بن علي رحمه الله: "إن المؤمن وقاف ومتأنٍ يقف عند همه ليس كحاطب ليل. فلا يتسارع الإنسان في الأعمال في هذه الحياة الدنيا ولو كان ظاهر ذلك من الأعمال الصالحة حتى ينظر قبل أن يقدم عليه هل له فيه نية صحيحة أو لا".
تعرفون حديث الثلاثة الذين تسعر فيهم النار يوم القيامة أول الناس: هذا رجل عالم، وهذا رجل جواد، وهذا رجل قارئ للقرآن أو مجاهد في سبيل الله، فهذا جاهد ليقال شجاع، وهذا قرأ ليقال قارئ، أو تعلم العلم ليقال عالم، وهذا أنفق من أجل أن يقال جواد، فيدخل النار قبل السراق، والزناة، وأصحاب الجرائم، فالمسألة ليست بالشيء السهل، قد يتصور كثير من الناس أن الذين يُتوعدون بالعقوبة أنهم على خطر وخوف هم أولئك الذين يقارفون ما يقارفون من ألوان الشهوات الظاهرة؛ وما علم أن الشهوات الباطنة قد تكون أعظم وأشد من الشهوات الظاهرة، الإنسان أليس ينفق المال من أجل تحصيل المحامد، أليس الرجل قد يقدم في نحر العدو في شجاعة متناهية من أجل أن يقال شجاع، فيبذل نفسه من أجل قيلهم هذا، هذه أغلى ما يملكه الإنسان، النفس والمال.