نبوءات الحديث الشريف في حصار العراق وسوريا
تعيش الأمة الإسلامية في مرحلتها الحالية أخطر منعطفاتها العقدية والحضارية بعد قرون من الضعف .
وفي الخضم يظهر حديث شريف ينبلج عنه خيط من الغيب , الذي يرسم لوحة نتيجة من نتائج هذا الصراع وملمح من ملامحه .
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( مُنعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشام مُديها ودينارها ومنعت مصر إردبها ودينارها وعدتم من حيث بدأتم وعدتم من حيث بدأتم ، وعدتم من حيث بدأتم )
شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه .
وعن أبي نضرة قال كنا عند جابر بن عبد الله رضي الله عنه فقال :
(( يوشك أهل العراق أن لا يجبى إليهم قفيز ولا درهم قلنا : من أين ذلك. قال : من قبل العجم ،يمنعون ذلك، ثم قال : يوشك أهل الشام أن لا يجبى إليهم دينار ولا مُدى . قلنا : من أين ذلك ؟ قال : من قبل الروم ))
هذا الحديث من صحيح مسلم , تضمن أخباراً من أنباء الغيب والمستقبل:
الأول : عن حصار العراق .
الثاني : عن حصار الشام .
23 . قوله ( ألا يجبى إليهم ) تعبير دقيق , بل هو أدق من ( الحصار العالمي للعراق ) وأصوبُ لغةً ومعنىً من تعبير الحصار . لأن الحصار يقتضي حصر البلد المحاصر داخل حدود لا يستطيع أهله الخروج منها كما يمنع غيرهم من دخولها .
كما أنه ليس تماماً , ولا كاملاً , لذا جاء التعبير عنه بقوله جابر رضي الله عنه ( .... يوشك .... ) بمعنى يكاد .
وفي قوله -صلى الله عليه وسلم -( ألا يجبى إليهم ) تعبير إعجازي , أي أنه تم بقرار مُجْمعٍ عليه من كل غير العرب ،وأنه يحظر تعامل الدول والشركات والهيئات والأشخاص عن البيع والشراء مع العراق فكان التعبير بقوله ( ألا يجبى إليهم ) من دلائل نبوته -صلى الله عليه وسلم - .
ويدل الحديث على أن الجابي قد لا تكون له نية في عدم الجباية لكنه يضطر إلى ذلك اضطراراً من طرف الأعداء الذين سماهم الحديث .
كما في قوله ( يُجبى ) بفعلٍ مبنى للمجهول لا يخطر على بال أحد – في الزمان السابق – أنه سيأتي يوم على شعوب الأرض جميعاً و حيث تخضع الشعوب والدول لحكم واحدٍ وتستجيب لقرار من مصدر متجبرِ واحدٍ ما عدا القليل منهم , وهو من إعجاز نبوته-صلى الله عليه وسلم-.
ثم قال : يوشك أهل الشام ألا يُجبَى إليهم دينار ولا مُدي )
تعبير المنع نفسه , والمُدي هو مكيال أهل الشام للطعام ، فهو إذن منع الطعام عن أهل الشام ،وكذلك منع المال عنهم . أي لا استيراد ولا تصدير فلما سألوا جابراً رضي الله عنه عن مصدر هذا المنع ( قلنا : من أين ذلك ؟ قال : من قبل الروم ) .
وكلمة الروم تعني الأمريكيين ، و كما تعني الأوربيين , فهم الذين سيفرضون هذا المنع ، وآنذاك يأخذ هذا الحصار مكانه في الصدام العقدي والحضاري , وصراع القضايا بين الأمة وأعدائها .
لهذا يتحول كسر مثل هذا الحصار إلى واجب شرعي ، في مواجهة حرب الروم أعداء الأمة منذ محمد -صلى الله عليه وسلم - وهو ما يستوجب التعبئة الشرعية للأمة في مواجهة مثل هذا الحصار ، مع العلم أن العقيدة تعدُّ أخطر عنصر وأهمه في مواجهة مثل هذه المشاريع الظالمة وإفشالها .
الجواب :
علماء هذه الأمة والأئمة الكِبار لا يَجزمون بشيء تجاه مثل هذه الأحاديث فيما يتعلّق بتنْزيلها على واقِع مُعيّن .
كما أن الجزم بأن هذا هو المراد في الحديث أمر يُحجِم عنه العلماء الكبار ، فيتجرأ عليه الصِّغار ! وربما من ليس من أهل العلم !
أما الحديث الأول : " مَنَعَتِ العراق درهمها وقفيزها ، ومَنَعَتِ الشام مديها ودينارها ، ومَنَعَتِ مصر إردبها ودينارها ، وعُدتم من حيث بدأتم ، وعُدتم من حيث بدأتم ، وعدتم من حيث بدأتم " شَهِدَ على ذلك لحم أبي هريرة ودمه . فقد رواه مسلم .
وقال فيه الإمام النووي رحمه الله : وفى معنى " منعت العراق " وغيرها قولان مشهوران :
أحدهما : لإسلامهم ، فتَسْقُط عنهم الجزية ، وهذا قد وُجِد .
والثاني : - وهو الأشهر - أن معناه أن العجم والروم يستولون على البلاد في آخر الزمان فيمنعون حصول ذلك للمسلمين . وقد روى مسلم هذا بعد هذا بورقات عن جابر قال : يوشك أن لا يُجْبى إليهم قفيز ولا درهم . قلنا : من أين ذلك ؟ قال : مِن قِبَلِ العَجَم يمنعون ذاك . وذَكَر في منع الروم ذلك بالشام مثله . وهذا قد وُجِد في زماننا في العراق ، وهو الآن موجود .
وقيل : لأنهم يَرْتَدُّون في آخر الزمان فيمنعون ما لَزِمَهم من الزكاة وغيرها .
وقيل : معناه أن الكفار الذين عليهم الجزية تَقْوَى شوكتهم في آخر الزمان فيمتنعون مما كانوا يؤدونه من الجزية والخراج وغير ذلك . اهـ .
وضُبِطت " مَنَعَت " هكذا .
قال ابن حجر : وساق الحديث بلفظ الفعل الماضي والمراد به ما يستقبل مبالغة في الإشارة إلى تحقق وقوعه . اهـ .
والرُّوم أعم من أن يكون المراد به الأمريكيين ، بل هو في نصارى العجم بِصِفَة عامة .
وأما قول (كما أنه ليس تماماً , ولا كاملاً , لذا جاء التعبير عنه بقوله جابر رضي الله عنه ( .... يوشك .... ) بمعنى يكاد ) فهذا غير صحيح . لأن ( يوشِك ) من أفعال الْمُقارَبَة . وهي تَدلّ على أن هذا الأمر قريب الوقوع والحدوث ، ولذلك عُبِّر بالماضي في " مَنَعَت " .
والله تعالى أعلم .
الأربعاء 16 سبتمبر 2009, 09:02 من طرف sarah